في خضم العزلة الدولية والحرب العراقية-الإيرانية بعد ثورة الاما الخميني عام 1979، بنت إيران قوتها الصاروخية بشراء ثلاثين صاروخ روسي من القذافي بعد رفض موسكو بيع الصواريخ البى طهران العقول الايرلنية و الدعم السري من وكوريا الشمالية..
من 30 صاروخ سكود-B ليبي إلى مئات الصواريخ والتكنولوجيا الكورية الشمالية، قاد الشهيد حسن طهراني مقدم جهود الهندسة العكسية لتحويل إيران إلى قوة صاروخية مستقلة، تتفوق بدقتها حتى على الروس، بحسب الجنرال عزيز جعفري، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني
ليصلك المزيد من
الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
في حديثها مع وكالة “مهر للأنباء” كشفت فائضه غفارحدادي مؤلفة كتاب “خط مقدم” أو “الخط الأمامي” تفاصيل عن قصة حصول إيران على الصواريخ من ليبيا وكوريا الشمالية مع سرد وثائقي لتشكيل وحدة الصواريخ الإيرانية بعد الثورة.
ما هو الخط الأمامي؟
قاعدة العمليات الأمامية أو المقر الرئيسي هي أي نوع من القواعد العسكرية على خطوط المواجهة الأمامية، عادةً ما تكون هذه القاعدة ثكنة تُستخدم لدعم العمليات التكتيكية، قد تحتوي قاعدة العمليات الأمامية على مطار أو مستشفى أو مرافق أخرى، ويمكن استخدامها لفترة زمنية محددة.
“خط المواجهة” مسلسلٌ يتناول إحدى أهم شخصيات هذا الوطن، ويتناول أحد أهم إنجازات إيران، بل أهم حقبة زمنية لهذا الإنجاز، ألا وهي أيام بداية تصميم الصاروخ الإيراني، أيام التجربة والخطأ، أيام الشجاعة والخطر، أيام السقوط والصمود.
في هذا الكتاب الوثائقي تتناول حدادي تطورات مدفعية الحرس الثوري بين عامي 1984 و1986 وقصة تشكيل أول وحدة صاروخية إيرانية.

بعد الثورة في إيران عام 1979، واجهت الجمهورية الجديدة تحديات أمنية هائلة، خاصة خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، المعروفة بـ”الدفاع المقدس”، في ظل الحظر الدولي والعزلة، اعتمدت إيران على تحالفات محدودة لتطوير قدراتها الصاروخية، التي أصبحت ركيزة دفاعها الاستراتيجي.. يعود الفضل الأساسي في بناء هذه القوة إلى الشهيد حسن طهراني مقدم، “أبو الصواريخ”، الذي قاد جهود الهندسة العكسية والتوطين.
ومع ذلك، لعب الدور الليبي والكوري الشمالي دورا حاسما في المراحل الأولى من الثورة، من خلال توفير الصواريخ والتدريب، مما مهد الطريق للاستقلال التكنولوجي.
ليبيا.. الدعم العربي الجريء في زمن العزلة
بدأت العلاقات السياسية والدبلوماسية بين إيران وليبيا لأول مرة على مستوى السفارات في 30 ديسمبر/تشرين الأول 1967 ثم بدأ الدعم الليبي بعد الثورة مباشرة، في أواخر 1979، وتصاعد خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، خاصة بين عامي 1984 و1986، عندما كانت إيران تحت وطأة العقوبات الغربية والحصار العسكري.
ومع اندلاع الحرب، أصبحت ليبيا أول دولة عربية في المنطقة تُعلن دعمها لإيران وذكرت وسائل الإعلام أن الزعيم الليبي معمر القذافي أعلن رسميًا أنه سيزود طهران بالمعدات العسكرية والذخيرة، وصرح القذافي لاحقًا في مقابلة بأن دعم إيران واجب إسلامي على عاتق الدول العربية.
كيف؟
كان معمر القذافي، الزعيم الليبي الراحل، أول قائد عربي يعلن دعمه لإيران ضد العراق في أكتوبر/تشرين الأول 1980، في موقف أثار صدمة الدول العربية.
في صيف عام 1984، مع اشتعال نيران الحرب المفروضة، انطلقت الشرارة الأولى لاقتناء إيران صواريخ متوسطة المدى، كأنها خطوة جريئة في رقعة الشطرنج الجيوسياسي وفي يوليو/تموز من ذلك العام، هبطت على مكتب محسن رفيق دوست – وزير الحرس الثوري الإيراني حينئذٍ – دعوتان رسميتان من سوريا وليبيا، كأنهما نسمة فأل خير تهب على أفق التحالفات. رحّب بهما بحماس، وانطلق يستجيب لكليهما بقلب مفتوح، وكأن زيارته إلى دمشق وطرابلس كانت مفتاحًا سحريًا، تلتها رحلة الرئيس خامنئي إلى البلدين نفسيهما، فانفتحت أبواب السماء بصواريخ متوسطة المدى – ذلك السلاح الاستراتيجي الذي غيّر موازين القوة.
من قلب هذه اللقاءات والمفاوضات الحميمة، تعهد الرئيس السوري حافظ الأسد بتدريب نخبة من القوات الإيرانية على فنون إطلاق الصواريخ، بينما أطلق الزعيم الليبي وعده الجريء بتسليم حفنة من صواريخ سكود-بي مع ترسانتها الكاملة إلى أحضان طهران، وبدون لحظة تردد، انبثقت وحدة صاروخية جديدة داخل مدفعية الحرس الثوري، كجنين يولد في عاصفة، ثم انطلق 13 من أبطال المدفعية الإيرانيين المخضرمين، يرافقهم سرب من المترجمين، صوب سوريا وليبيا ليغوصوا في أعماق التدريب الصاروخي، محملين بأحلامهم وإصرارهم.
الدعم تجاوز السياسة إلى الميدان
صواريخ سكود: قدمت ليبيا حوالي 30 صاروخ سكود-B سوفييتي الصنع بين 1985 و1986، استخدمتها إيران لضرب بغداد ومدن عراقية أخرى، هذه الصواريخ كانت بمثابة شريان حياة، حيث سمح القذافي لإيران بإعادة هندستها، مما أدى إلى تطوير صاروخ “شهاب-1” بحلول أواخر الثمانينات، ولكن إطلاق آخر 9 صواريخ من هذا النوع على العراق دفع فريق الصواريخ بقيادة حسن طهراني إلى دخول الميدان بمفرده.
التمويل: بحسب وثائق CIA المفرج عنها، قدمت ليبيا منحًا مالية بقيمة 700 مليون دولار منذ 1978 لشراء أسلحة ودعم الثورة.
التدريب: أرسلت ليبيا خبراء عسكريين لتدريب قوات الحرس الثوري في معسكرات قرب سرت، مستفيدة من خبرتها في الحروب غير النظامية، كما دربت إيران حوالي 2000 مقاتل ليبي كرد جميل لدعم القذافي ضد الضغوط الغربية.
شبكة التجسس: ساعدت ليبيا إيران في بناء شبكة استخباراتية في شمال إفريقيا، مستغلة علاقاتها مع حركات التحرر، مما عزز نفوذ طهران الإقليمي.
لماذا؟
رأى القذافي في الثورة الإيرانية انعكاسا لثورته “الخضراء”، وكلاهما كان معاديا للغرب، هذا التحالف لم يكن خاليا من المخاطر؛ تجاهل القذافي العقوبات الغربية، مما عزز مكانته كداعم للثورات العالمية والإقليمية في المنطقة، في المقابل، ردت إيران الجميل عام 1986، بإرسال خبراء لإصلاح الدفاعات الجوية الليبية بعد هجوم أمريكي على طرابلس.
وفي هذا السياق كشف علي خرم، أول قائم بالأعمال الإيراني في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير/شباط 2011، عن تفاصيل غير معلنة سابقا حول الدعم العسكري الذي قدمته ليبيا لإيران خلال الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينات،أكد خرم أن إيران، كدولة غنية ذات موارد طبيعية هائلة، لم تكن بحاجة إلى مساعدات مالية من أحد، مشيرًا إلى أن المساعدات الليبية كانت مقتصرة على الأسلحة، وتحديدا الصواريخ أرض-أرض، في ظل غياب مثل هذه الترسانة الصاروخية لدى طهران آنذاك.
وأوضح خرم، الذي شغل منصبا دبلوماسيا حساسا في تلك الفترة، أن إيران كانت تمتلك بالفعل صواريخ أرض-جو وجو-أرض، لكنها افتقرت إلى الصواريخ الأرض-أرض التي لم تصلها من النظام السابق للشاه أو من الولايات المتحدة، وأشار إلى أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين استخدم هذه الصواريخ ضد إيران خلال الحرب، مما دفع طهران إلى سعيها اليائس للحصول عليها لخلق توازن ردعي.
ويرى هذا الدبلوماسي المخضرم أن سبب إقامة علاقات جيدة مع ليبيا في بداية الثورة هو بداية الحرب ونقص الأسلحة، خاصة صواريخ أرض-أرض، في إيران، يقول: “استوردنا عشرات الصواريخ من ليبيا في غضون عامين فقط”، قال خرم، مضيفا: “لكن معظمها كان قديمًا ولم يعمل بسبب تخزينه في المستودعات الليبية لسنوات طويلة. ربما كان حوالي 40% منها صالحًا للاستخدام ويعمل بشكل صحيح، وهو ما كان كافيًا للردع المؤقت في ذلك الوقت”.
في طرابلس، التقى الوفد معمر القذافي، الذي وافق على تقديم صواريخ سكود مقابل قاعدة دفاع جوي أمريكية من طراز HOG، تم تسليم 30 صاروخًا على مراحل: 8 في المرحلة الأولى، أطلقتها إيران ضد مواقع عراقية مثل كركوك؛ ثم 10 في الزيارة الثانية؛ وأخيرًا 12 في الثالثة، كانت هذه الصواريخ محدودة المدى (300 كم)، وأطلقت 21 منها بمساعدة خبراء ليبيين، مستهدفة بغداد وبصرة، رافق الخبراء الليبيون الوفد إلى إيران للمساعدة في الإطلاق، مما أعطى الإيرانيين
ومع ذلك، انتهى التعاون فجأة بعد التسليم الأخير، أمر القذافي خبراءه بالانسحاب، رافضين مساعدة إيران في إطلاق الـ9 صواريخ المتبقية، يُعتبر هذا الانسحاب شكلًا من التخريب، حيث ترك عيوبًا فنية في المنظومات، مثل مشاكل في التوجيه والتحكم، دفع هذا الإيرانيين، بقيادة طهراني مقدم، إلى الاعتماد على أنفسهم، نجحوا في إطلاق صاروخ من كرمانشاه ضد نادي ضباط عراقي في بغداد، مما أكدته تقارير بي بي سي، كان هذا الإنجاز الأول المستقل، ودفع نحو برنامج داخلي للهندسة العكسية.
وهكذا تمكن الضباط الإيرانيون من إطلاق الصواريخ الأولى، لكن المشكلة استمرت، لأن احتياطيات الصواريخ التي تلقوها من ليبيا كانت على وشك النفاد، ومن ناحية أخرى، إذا أدرك الجيش العراقي أن إيران لم تعد تملك صواريخ، فسوف يستأنف حرب المدن، لذلك كان لا بد من حل المشكلة من الأساس، وحتى لشراء الصواريخ، سافر وزير الحرس الثوري آنذاك محسن رفيق دوست، برفقة حسن طهراني مقدم وقادة عسكريين آخرين، إلى كوريا الشمالية، لكن الزعيم الكوري الشمالي آنذاك كيم إيل جونج رفض توفير الصواريخ ووعد فقط بالتدريب العسكري والصاروخي للوفد الإيراني.
واستمرت هذه العملية حتى فكر الضباط الإيرانيون في إنتاج الصواريخ، وهي صواريخ يجب أن تُصنع بمفردها، ولها مدى مناسب للوصول إلى أجزاء مختلفة من العراق وحتى بغداد.. ساهم الدور الليبي في نقل التكنولوجيا الأساسية، لكنه كشف عن هشاشة الاعتماد الخارجي، بعد الحرب، أدى ذلك إلى تأسيس وحدة “الاكتفاء الذاتي” في الحرس الثوري، حيث طور طهراني مقدم صواريخ مثل شهاب-1 (نسخة محسنة من سكود)، ثم شهاب-2 و3، مما زاد المدى إلى أكثر من 1000كم لتهديد إسرائيل.
جذور البرنامج الصاروخي
من فشل دمشق إلى شراكة بيونغ يانغ
وفي هذا الصدد؛ قال الدكتور فاضل اليونس، الباحث في العلاقات الدولية والأمن الدولي المتخصص في السياسة الأمريكية والشرق الأوسط إنه خلال الحرب العراقية–الإيرانية (1980–1988)، وجدت إيران نفسها عاجزة عن مجاراة التفوق العسكري للجيش العراقي؛ فبينما كانت الطائرات والصواريخ العراقية تمطر المدن الإيرانية بكثافة، عانت طهران من ضعف واضح في قدرتها على تنفيذ ضربات مماثلة داخل العمق العراقي.
وأكد أنه لمحاولة تحقيق نوع من التوازن العسكري فوق بغداد، ترأس رئيس البرلمان الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني وفداً رفيع المستوى عام 1985 إلى سوريا، وليبيا، وكوريا الشمالية بحثًا عن دعم تسليحي وتقني لتعزيز القدرات الصاروخية الإيرانية، وأضاف الدكتور اليونس في تصريحات خاصة لـ “زاد إيران”، في دمشق باءت الجهود بالفشل بعد اعتذار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي برّر عدم إمكانية تزويد طهران بالصواريخ بوجود أنظمة الصواريخ السورية تحت إشراف وسيطرة القوات السوفيتية آنذاك، ونصح الوفد بالتوجه إلى طرابلس للقاء الرئيس الليبي معمر القذافي، وأوضح أن الدعم الليبي لإيران خلال الحرب مع العراق كان محدودا للغاية ومشروطا باعتبارات سياسية أكثر من كونه التزامًا عسكريا حقيقيا.
وصرح بأنه قد اقتصر على نحو ثلاثين صاروخًا من طراز “سكود B” كان من المقرر تسليمها على ثلاث دفعات، إلا أن إيران تسلّمت الدفعة الأولى فقط، بعدما أوقفت طرابلس استكمال الصفقة إثر رفض طهران تنفيذ رغبة معمر القذافي بتوجيه ضربة صاروخية إلى السعودية.
وأكد الدكتور اليونس أنه لم يكن القذافي يرغب في أن يُنظر إليه كمن ساعد إيران على تحقيق انتصار ضد العراق، إذ كان ذلك سيُضعف مكانته أمام الرأي العام العربي، ويقوّض مسعاه لتجسيد دور الزعيم الإقليمي الذي يواصل إرث جمال عبد الناصر، وقال إنه نتيجة لذلك، ظل التعاون الليبي–الإيراني أقرب إلى رمز سياسي منه إلى تحالف استراتيجي فعّال، ولم يترك تأثيرًا ملموسًا في مسار تطور البرنامج الصاروخي الإيراني، الذي ظل رهينًا لمعادلات إقليمية ودولية معقّدة. وأضاف أنه مع ذلك، استفادت إيران جزئيًا من الخبرة الليبية في مجالات التدريب والتشغيل الصاروخي، وهو ما ساعدها على تحسين جاهزيتها الفنية خلال ما عُرف وقتها بـ “حرب المدن”، مع العراق.
كوريا الشمالية: مهندسو الصواريخ في الظل
بدأ التعاون مع كوريا الشمالية في 1980، ببيع النفط الإيراني لكوريا، لكن المعاملات التجارية لاحقا أفسحت المجال لاتفاقيات عسكرية، وهذا واضح من حقيقة أن معظم الصواريخ الإيرانية تعتمد على التصاميم الكورية الشمالية، لكن التعاون بين البلدين أصبح استراتيجيا في عام 1982، واستمر بقوة حتى نهاية الحرب عام 1988، هذه الفترة شهدت ذروة الدعم التكنولوجي، مع استمرار التعاون بشكل متقطع حتى اليوم، ومنذ تسعينات القرن العشرين، كان العشرات وربما المئات من العلماء والفنيين الكوريين الشماليين يعملون في المنشآت النووية والباليستية الإيرانية.
كيف؟
كانت كوريا الشمالية الشريك التكنولوجي الأبرز، حيث قدمت دعما مركزا على الصواريخ والتكنولوجيا العسكرية:
صواريخ سكود: بين 1985 و1988، زودت كوريا إيران بـ200 إلى 300 صاروخ Scud-B وScud-C، بمدى يصل إلى 500 كم، هذه الصواريخ، المطورة من النسخ المصرية، كانت حاسمة في تغيير توازن الحرب، وفي 1987، أطلقت إيران أول صاروخ سكود كوري معدل في اختبار بصحراء دشت كافير، محققًا دقة بنسبة 90%.
نقل التكنولوجيا: وقّعت إيران اتفاقية سرية عام 1985 بقيمة 500 مليون دولار لتمويل برنامج الصواريخ الكوري، مقابل نقل تكنولوجيا Scud وتدريب مهندسين إيرانيين، بحسب “Nuclear Threat Initiative”، دربت كوريا 500 مهندس إيراني في معهد بيونغ يانغ للصواريخ.
التبادل العلمي: كان التعاون بمثابة ورشة مشتركة، قدمت إيران بيانات ميدانية من الحرب لتحسين دقة الصواريخ الكورية، بينما نقلت كوريا خبراتها في إعادة الهندسة، هذا التبادل أدى إلى تطوير صاروخ “نودونغ” الكوري، الذي أصبح أساس “شهاب-3” الإيراني.
الطائرات المسيرة: قدمت كوريا نماذج أولية للطائرات بدون طيار في أواخر الثمانينات، ساعدت في تطوير “شاهد-129” الإيراني، الذي أصبح ركيزة في ترسانة طهران.
لماذا؟
كانت إيران وكوريا الشمالية حليفتين طبيعيتين، كلتاهما معزولتان وتواجهان عقوبات أمريكية، رأت كوريا في إيران سوقا لتمويل برنامجها النووي، بينما استفادت إيران من خبرات بيونغ يانغ لكسر الحصار.