بطاريات من ملح البحر .... تصنع الدراجة الكهربائية في الصين

کاتب ١ 3/06/2025 - 06:22 PM 35 مشاهدة
# #

تسابق الصين العالم بأسره في طرح بطاريات أيونات الصوديوم في السوق الجماهيري - عبر الدراجات الكهربائية (السكوترات).
تصطف العشرات من الدراجات الكهربائية الصغيرة البراقة خارج مركز تجاري في مدينة هانغتشو شرق الصين، جاذبة المارة لتجربتها.
لكن هذه الدراجات الشبيهة بدراجات "فيسبا" - التي تباع بسعر يتراوح بين 400-660 دولاراً - لا تعمل ببطاريات الرصاص الحمضية أو الليثيوم-أيون التقليدية المستخدمة عادة في المركبات ذات العجلتين الكهربائية. بدلاً من ذلك، تعمل بطارياتها بالصوديوم، وهو عنصر متوفر بكثرة يمكن استخراجه من ملح البحر.
بجانب الدراجات توجد أعمدة شحن سريع يمكنها إعادة شحن بطاريات المركبات من صفر في المئة إلى 80 في المئة في 15 دقيقة، وفقاً لشركة "ياديا"، المصنعة الكبرى للدراجات ذات العجلتين في الصين، التي نظمت هذا الحدث الترويجي في يناير/كانون الثاني 2025، لإطلاق دراجاتها البخارية الجديدة ونظام الشحن الخاص بها.

تعد "ياديا" واحدة من العديد من الشركات في الصين التي تحاول بناء ميزة تنافسية في تقنيات البطاريات البديلة، وهو اتجاه يظهر مدى سرعة تطور صناعة التكنولوجيا النظيفة في البلاد.
بينما يحاول بقية العالم تقليص الفجوة مع الصين في سباق تصنيع بطاريات الليثيوم-أيون الرخيصة والآمنة والفعالة، سبقت الشركات الصينية بالفعل نحو الإنتاج الضخم لبطاريات الصوديوم-أيون، وهي بديل يمكن أن يساعد الصناعة في تقليل اعتمادها على المعادن الخام الأساسية.
وكانت شركات صناعة السيارات الصينية الأولى في العالم التي أطلقت سيارات تعمل ببطاريات الصوديوم. لكن تأثير هذه الموديلات - جميعها صغيرة الحجم ذات مدى قصير - ظل محدوداً حتى الآن.
وفي أبريل/نيسان 2025، أعلنت "كاتل"، أكبر مصنع للبطاريات في الصين والعالم، عن خططها لبدء الإنتاج الضخم لبطاريات الصوديوم-أيون للشاحنات الثقيلة والسيارات هذا العام تحت علامة تجارية جديدة تسمى "ناكسترا".

كما بدأت مشغلات الشبكات الكهربائية الصينية في بناء محطات تخزين الطاقة باستخدام بطاريات الصوديوم-أيون لمساعدة الشبكة على استيعاب الطاقات المتجددة. في مجال يعتبره العديد من الباحثين الذين تحدثت إليهم بي بي سي الساحة الرئيسية لهذه التكنولوجيا الناشئة.
يقول كوري كومبس، الباحث في المعادن الحيوية وسلاسل التوريد في شركة تريفيوم تشاينا الاستشارية ومقرها بكين، "إن الاستراتيجية متعددة الجوانب التي تنتهجها الشركات الصينية في تطوير بطاريات أيونات الصوديوم ستضعها في صدارة السباق العالمي - عند بدئه بالفعل".
ويتابع: يبقى أن نرى ما إذا كانت بطاريات أيونات الصوديوم ستحقق نجاحاً حقيقياً.
ولكن هناك قطاع واحد يراهن بقوة على بطاريات الصوديوم-أيون، وهو قطاع الدراجات ذات العجلتين، وهو سوق سريع النمو وشديد التنافسية في الصين.
أحضرت "ياديا" ثلاثة موديلات تعمل ببطاريات الصوديوم إلى السوق حتى الآن وتخطط لإطلاق المزيد. كما أنشأت معهد أبحاث هانغتشو هوايو للطاقة الجديدة لدراسة كيمياء البطاريات الناشئة، وخاصة بطاريات الصوديوم-أيون.
وقال تشو تشاو، نائب الرئيس الأول للشركة، في يناير/كانون الثاني خلال برنامج حواري على التلفزيون المركزي الصيني: "نريد نقل التكنولوجيا من المختبر إلى العملاء بسرعة".

بدأ وقت "الحمار الكهربائي الصغير"
تعد الدراجات ذات العجلتين وسيلة نقل شائعة للغاية في العديد من البلدان الآسيوية، بما في ذلك فيتنام وإندونيسيا. وفي الصين، توجد في كل مكان، حيث تنقل أصحابها إلى المتاجر والمكاتب ومحطات المترو وفي كل مكان بينهما. ونظراً لأنها عملية ومتعددة الاستخدامات، أطلق عليها الصينيون لقب "الحمار الكهربائي الصغير".
ويقول تشين شي، الباحث في مواد وأجهزة تخزين الطاقة في جامعة شيان-جياوتونغ ليفربول في الصين: "المركبات ذات العجلتين تعمل عادة لمسافات أقصر وبسرعات أقل مقارنة بالسيارات، مما يجعلها لا تحتاج إلى بطاريات عالية الكفاءة من حيث تخزين الطاقة أو إنتاجها". وتُخزّن بطارية الصوديوم طاقة أقل بكثير مقارنة ببطارية الليثيوم بنفس الحجم.
وبالنسبة للدراجات ذات العجلتين، فإن المنافس الرئيسي لبطاريات الصوديوم-أيون هو بطاريات الرصاص الحمضية، التي تتمتع بكثافة طاقة ودورات شحن أقل. وقال شي إن ميزتها الوحيدة هي أنها أرخص حالياً من كل من بطاريات الصوديوم والليثيوم-أيون.
يُمهد العدد الهائل للدراجات ذات العجلتين في آسيا الطريق لتحقيق اقتصاديات الحجم. في الصين وحدها، بيع حوالي 55 مليون دراجة كهربائية ذات عجلتين في عام 2023، ما يقرب من ستة أضعاف عدد جميع السيارات الكهربائية النقية والهجينة وخلايا الوقود التي بيعت في البلاد ذلك العام، وفقاً لشركة آي ريسيرش الاستشارية ومقرها شنغهاي.
كان الإنتاج على نطاق واسع هو هدف ياديا. وقال تشو في برنامج حواري إن الشركة تسعى إلى جلب بطاريات الصوديوم إلى عشرات الملايين من الركاب العاديين ليس فقط عن طريق تركيبها في الدراجات ذات العجلتين، ولكن أيضاً عن طريق بناء نظام شحن لتمكين الناس من استخدام هذه الموديلات دون قلق.
لاختبار الأمر، بدأت "ياديا" في عام 2024 برنامجاً تجريبياً مع 150 ألفَ شخصٍ ممن يقومون بتوصيل الطعام في شنتشن، وهي مدينة ضخمة يبلغ عدد سكانها 17.8 مليون نسمة في جنوب الصين، وفقاً لشينزن نيوز.
وقالت "ياديا" إن الهدف هو تمكينهم من تسليم بطارية صوديوم-أيون مستهلكة من "ياديا" في محطات تبديل البطاريات التابعة لشركائها مقابل بطارية مشحونة بالكامل في غضون 30 ثانية.
نمت "ياديا" وشركات أخرى، مثل شركة تبديل البطاريات "دودو هوانديان"، بسرعة في شنتشن لدرجة أن المدينة تهدف الآن إلى أن تصبح "مدينة تبديل البطاريات". وتهدف إلى تركيب 20 ألف وحدة شحن أو تبديل للبطاريات لأنواع مختلفة من الدراجات البخارية الكهربائية في عام 2025، و50 ألفاً بحلول عام 2027، وفقاً لرابطة صناعة الدراجات الكهربائية في شنتشن، وهي هيئة تجارية تعمل مع حكومة شنتشن لتعزيز تبديل البطار

الازدهار والانهيار
تشترك بطاريات الصوديوم-أيون والليثيوم-أيون في هياكل متشابهة. الفرق الرئيسي هو الأيونات التي تستخدمها، وهي الجسيمات التي تتنقل ذهاباً وإياباً بين الجانبين الموجب والسالب للبطارية لتخزين الطاقة وإطلاقها.
يتوزع الصوديوم على نطاق واسع في البحر وقشرة الأرض، مما يجعله أكثر وفرة بحوالي 400 مرة من الليثيوم. وبالتالي، فإن خلايا الصوديوم-أيون أكثر سهولة ومن المحتمل أن تكون أرخص في الإنتاج على نطاق واسع. كما يمكنها تحرير صناعة البطاريات من نقاط الاختناق في سلاسل التوريد الحالية.
يُستخرج خام الليثيوم حالياً في الغالب من أستراليا والصين وتشيلي، لكن معالجة المعدن تتركز في الصين، التي تمتلك ما يقرب من 60 في المئة من قدرة تكرير الليثيوم في العالم.
ليست بطاريات الصوديوم-أيون اختراعاً حديثاً. لطالما ارتبط مصيرها بمصير بطاريات الليثيوم-أيون. وبدأ البحث والتطوير لكلا النوعين منذ حوالي نصف قرن، مع تقدم الجهود العالمية بقيادة اليابان.
لكن بعد أن أطلقت شركة سوني اليابانية للإلكترونيات أول بطارية ليثيوم-أيون في العالم في عام 1991، أدى نجاحها التجاري الكبير إلى توقف كبير في تطوير تكنولوجيا الصوديوم-أيون - حتى بداية هذا العقد. وبحلول ذلك الوقت، أصبحت الصين القوة المهيمنة في مجال البطاريات في جميع أنحاء العالم من خلال سنوات من الدفع الصناعي من قبل الحكومة.
شكَّل عام 2021 نقطة تحوُّل حاسمة لبطاريات أيون الصوديوم. إذ ارتفعت أسعار الليثيوم الخاص بالبطاريات عالمياً بشكلٍ صاروخي، مُضاعِفةً قيمتها أكثر من أربع مرات خلال عام واحد بسبب الطلب الكبير على المركبات الكهربائية وتأثيرات جائحة كوفيد-19. مما دفع شركات تصنيع البطاريات والمركبات الكهربائية للبحث عن بدائل.
أطلقت كاتل أول بطارية صوديوم-أيون على الإطلاق في يوليو/تموز من ذلك العام. وقال فات تشانغ، مؤسس موقع "سي إن إي في بوست الإخباري للمركبات الكهربائية ومقره شنغهاي، إن هذه الخطوة "أثارت اهتماماً كبيراً في الصناعة". ويشير إلى أن أسعار الليثيوم استمرت في الارتفاع في عام 2022، مما دفع المزيد من الشركات الصينية التي تهتم بالتكلفة نحو الصوديوم.
وقالت كيت لوغان، مديرة معهد سياسة المجتمع الآسيوي في واشنطن العاصمة، التي تبحث سياسات المناخ والطاقة النظيفة في الصين: "كانت الوفرة النسبية للصوديوم واهتمام الصين ببناء سلسلة توريد بطاريات مرنة عاملاً رئيسياً في دفع جهود البحث والتطوير". في وقت ارتفاع أسعار المعادن، استوردت البلاد حوالي 80 في المئة من خام الليثيوم الذي قامت بتكريره، بصورة رئيسية من أستراليا والبرازيل.
لكن سعر الليثيوم بدأ في الانخفاض في أواخر عام 2022 وهو اليوم عند سعر بسيط من ذروة سعره. وقال تشانغ إن أحد الأسباب هو أن كبار مصنعي البطاريات الصينيين مثل كاتل وغوشن وسّعوا قدراتهم على معالجة الليثيوم. كما عززت الصين جهودها للعثور على احتياطيات الليثيوم المحلية وتطويرها.

وخلصت دراسة أجريت عام 2024 إلى أن بطاريات الصوديوم-أيون يمكن أن تساعد العالم في تجنب التعدين المفرط والنضوب المحتمل للمواد الخام الحرجة، لكن عملية الإنتاج تولّد كميات مماثلة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل خلايا الليثيوم-أيون.
وقالت تشانغ شان، المعدة الرئيسية للدراسة والباحثة في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في غوتنبرغ: "نظراً لأن هذه البطاريات لا تزال قيد التطوير، يمكن تحسين عمليات إنتاجها وعمرها الافتراضي وكثافة طاقتها جميعاً. قد يكون تأثيرها على المناخ أقل من تأثير بطاريات الليثيوم-أيون في المستقبل".

حقوق الطبع والنشر © Video IQ