يشهد العراق تصاعدا في حالات الإصابة بمرض الحمى النزفية منذ مطلع عام 2025، وسط تحذيرات صحية ومخاوف شعبية متزايدة من تفشي المرض، الذي تسبب حتى الآن في 19 إصابة مؤكدة بينها حالتا وفاة، وفق بيانات وزارة الصحة. وتتركز الإصابات في عدد من المحافظات، أبرزها ذي قار وكركوك، في حين توزعت الحالات الأخرى على عدة مناطق متفرقة في البلاد.
ورغم تأكيد الجهات الصحية أن المرض لا يزال تحت السيطرة، وتوافر القدرة على التشخيص والعلاج، إلا أن التركيز الأكبر ينصب على سبل الوقاية وتوعية المواطنين، خصوصا أن الحمى النزفية تعد من الأمراض الفيروسية الخطيرة، وتنتقل بشكل رئيسي عبر حشرة القراد التي تصيب المواشي، خاصة الأبقار والأغنام والماعز، دون أن تظهر أعراض المرض على الحيوانات، بينما تظهر الأعراض فقط لدى الإنسان.
المرض يتسبب في أعراض حادة تشمل ارتفاع درجات الحرارة والصداع وآلاما في المفاصل والعضلات، وقد تتطور إلى حالات نزيف تحت الجلد وحول العينين. وتختلف فترة الحضانة بحسب طريقة انتقال العدوى، ففي الحالات الناتجة عن لدغة القراد، قد تظهر الأعراض خلال يومين إلى ثلاثة، أما في حالات انتقال الفيروس عبر مشتقات الدم فقد تستغرق من خمسة إلى عشرة أيام أو أكثر.
ينتقل المرض من الحيوان إلى الإنسان من خلال التعامل المباشر مع المواشي أو لحومها ودمها، لا سيما عند الذبح خارج المجازر الرسمية. وتشير التقديرات إلى أن غالبية الإصابات المسجلة تعود لأشخاص يتعاملون بشكل مباشر مع الحيوانات، أو ربات البيوت اللاتي يجهزن اللحوم دون اتباع إجراءات السلامة.
تعمل الجهات البيطرية المختصة على تنفيذ حملات موسمية تشمل رش وتغطيس الحيوانات والحظائر، وتوعية المربين بأساليب الوقاية. وقد أطلقت مؤخرا حملة ميدانية شملت عشرات الفرق البيطرية لتغطية 15 محافظة، وتستمر لأكثر من ثلاثة أسابيع.
بالتوازي مع ذلك، انعكس انتشار المرض سلبا على السوق المحلي، إذ تراجع الإقبال على شراء اللحوم الحمراء، ما تسبب بخسائر لبعض القصابين، في حين لجأ مواطنون إلى بدائل مثل الأسماك والدجاج، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بسبب زيادة الطلب.
ورغم التطمينات الصحية، لا تزال المخاوف الشعبية قائمة، خصوصا في ظل قلة المجازر الرسمية واعتماد الكثيرين على الذبح العشوائي، ما يزيد من فرص انتقال المرض. ويعود الاعتماد على المجازر العشوائية إلى قدم وضعف البنى التحتية للمجازر النظامية، والتي يعود بعضها إلى عقود ماضية ولا تواكب الزيادة السكانية أو المتطلبات الصحية الحديثة.
تشير التقديرات إلى حاجة العراق لبناء ما لا يقل عن 500 مجزرة حديثة موزعة على مختلف المحافظات، لتأمين ذبح آمن وصحي وتقليل مخاطر انتقال الأمراض، خاصة في ظل تكرار ظهور فيروسات وأوبئة موسمية.
إضافة إلى ذلك، تسهم مشكلة تكدس المواشي داخل حظائر ضيقة وغير مهيأة، في تسريع انتشار العدوى بين الحيوانات، ما يضاعف من احتمالات انتقالها إلى البشر، خاصة مع ضعف الوعي الصحي في بعض المناطق الريفية.
وفيما تتواصل جهود مكافحة المرض، تبقى الوقاية والتثقيف الصحي أساس المواجهة، من خلال التزام المواطنين بإجراءات النظافة في التعامل مع اللحوم، وارتداء أدوات الحماية عند الذبح أو التعامل مع المواشي، مع ضرورة تكثيف الحملات البيطرية وتنظيم أسواق بيع الحيوانات، لتفادي تحول المرض إلى أزمة صحية واسعة.